
يقول وليام روس : اليد التي تهزُّ مهد الطفل الصغير هي اليد القادره على تحريك العالم
ستنتهي الحرب في سوريا في يومٍ من الأيام ويلتقي جنرلات الحرب وأمرائها ، يتصافحون يشربون الأنخاب ويتقاسمون الغنائم… أو ما تبقى منها وتخلو الجبهات من المقاتلين الذين ينصرفون كلٌ الى شيطانه أو كابوسه . وحدها المرأة تبقى تداري حزنها ودموعها في ركن البيت أو على النافذة تتصفح الخراب على جانبي الطريق وحيدةً تنتظر ابنها الشهيد الذي لن يعود
خلال المقابلة التي أجريتها مع المحاميه والناشطة الحقوقيه ” لمى عنداني ” وهي معتقلة سياسيه سابقه قضت ٩ سنوات في سجون نظام القمع والدكتاتوريه في سوريا. قالت : في سوريا اكثر من ٢٣٥٠٠ ضحيه قضوا تحت أسقف البيوت المنهارة من جراء قصف طيران النظام الأعمى وحلفائه ، أو من جراء القنص على الطرقات أثناء رحلة ( الرغيف ) المرعبه . في سوريا ٤٢٤٠ معتقلة في اقبية السجون وأفرع التحقيق الرطبه التي لا تراها الشمس يعانين أقسى حالاتِ الرعب والمعاناة على الصعيدين النفسي والجسدي ، وأقسم لك ان فحيح صوت الجلاد المرعب ما زال صداه في أذني وما زالت رائحة أنفاسه الكريهه تخترقني وتشعرني بالغثيان الى هذا اليوم ، وفوق كل هذا تتعرض المرأة في تلك الأقبيه والزنازين كما هي في حواجز التشبيح ، للتحرش والإغتصاب . فالإغتصاب في بلدي لم يعد مجرد ردة فعلٍ لجنود غاضبين بل أصبح سياسةً ومنهجاً أثناء التحقيق أو عند اقتحام البلدات والمدن من اجل كسر شخصيتها أو ارغام زوجها أو أخيها أو أو …على الإعتراف أو الإقرار بما يريدون ، وأؤكد لك أن الإغتصاب لم يعد مقتصراً على الفتيات والنساء الشابات بل تعداه الى نساءٍ فوق الخمسين كما حدث مع الحاجه ( رفقيه ) من حمص القديمه بل أكثر من ذلك فقد توثق لدينا الكثير من حالات الاغتصاب التي وقعت على الرجال والشباب اليافعين .
أطرقت برأسها وأشاحت بوجهها عني لتخفي دموعاً تحاول أن تهرب من قبضة جفنيها …. صمتت قليلاً ثم قالت ” ستنبت الأحلام بين الركام ويرقص الحبُّ فوق جراح الحرب ” وسترى عندما تنتهي هذه الحرب القذره و ينقشع غبارها كيف أن النساء في سوريا وكما فعلت نساء الأنقاض في المانيا بعد الحرب العالميه الثانيه ونتيجة الدمار الشديد والنقص الكبير في أعداد الرجال … تحملت المرأة الألمانية مسؤولية ازالة آثار الحرب وإعادة الإعمار والبناء …كعادتها بصمتٍ وإصرار . كذلك النساء في سوريا المستقبل سيبنون وطناً جديداً يغسلون جراحه بالدمع ويجبلون اسمنته بالحبّ والأمل .
ولكي اعطي الموضوع حقه اتجهت ببحثي نحو الشمال السوري العزيز على قلوبنا جميعاً وبالتحديد الى مدينة الحسكه أم الإنتفاضات ، فالمرأة الكرديه كانت أسبق من مثيلاتها على امتداد الوطن السوري اذ استطعن تنظيم أنفسهن عبر تنظيمات وجمعيات مدنيه بل وعسكريه أيضاً بسبب الظروف الموضوعيه الخاصه بالشعب الكردي وحالة الاستهداف من كل الأنظمه التي يرزحون تحت حكمها! ومن تلك التنظيمات وعلى سبيل المثال -) اتحاد النساء الكرد في سوريا و وحدات حماية المرأه وغيرهم كثير من أجل هذا كله اجريت مقابلةً مع الناشطه الكرديه الشابه ن.هـ والتي تقيم حالياً في سويسرا وقد قالت لي : انهيت المرحله الثانويه من دراستي رغم كل المصاعب والعراقيل التي تضعها السلطة أمام الأكراد بشتى الوسائل لكي تبقيهم فريسةً للجهل والتخلف ولكني تابعت دراستي في الاقتصاد وعملت في صفوف الهلال الأحمر السوري والذي هو أشبه ما يكون بالصليب الاحمر في أوروبا …
عملت مع فريق الدعم النفسي لضحايا الحرب في سوريا وكان عملي يتركز بالدرجة الأولى مع الحلقة الأضعف في هذه الحرب ( النساء والأطفال ) وكل ما يعانونه من آثار ناتجه عن فقدان المأوى تحت قصف المدافع والطائرات إضافةً لليتم وما يعنيه من فقدان أحد الأبوين بل الأسرة كلها في بعض الحالات وصولاً للإغتصاب والعنف الجسدي والنفسي وحتى تعرضهن للبيع كعبيدٍ بايا في سوق النخاسه في القرن الحادي والعشرين !! تعاملت مع كل الحالات التي وصلتني بمهنيةٍ ولم أفرق بين كردي أو عربي ولأن قناعتي كانت دوماً ( أن الحريه والديمقراطي هما الطريق الأفضل للوصول الى الوطن القومي ( الحلم ) الذي رضعناه من صدور أمهاتنا ، سأذكر لك حادثه لها الأثر البالغ في نفسي صادفتها في منطقةٍ بعيده عن مسقط رأسي بحكم ظروف عملي ، هي عن فتاة في ريعان الصبا (١٩عاماً) اسمها ” منال ” اعتقلت في الجامعه لأنها رفعت علم الثوره على مبنى احدى الكليات مع زملائها وبقيت رهن الإعتقال أكثر من ٨ أشهر ثم اُفرجَ عنها بعد ذلك لتواجه نوعين من المصاعب والتحديات -الأول هو الآثار الناجمة عن ظروف اعتقالها من عنفٍ جسديٍ وتحرش من قِبَلِ الجلٌادين والمحققين -ثانيهما نظرات الشك والإتهام الذي تراه في عيون وعلى السنة أبيها وأخيها والتي تصل الى العنف في كثير من الأحيان وصولاً لتخلي خطيبها عنها وتركه إياها حتى أنّه لم يكلف نفسه عناء البحث عن أعذار ! وفِي آخر مرةٍ التقيت منال فيها قالت لي بصوتٍ أقرب للهمس يخنقه الألم ( أنا ما زلت في السجن لم أخرج منه بعد ، جدران السجن هي التي تبدلت بجدران غرفتي في البيت ، والسجان الذي لا أعرفه هناك الى سجانٍ بتُّ لا أعرفه الآن وهو اخي وأبي ) وفِي اليوم التالي سمعت أنَّ منال قد ألقت بجسدها من شرفة البيت في الطابق الرابع لتنهي معاناتها وترسل بموتها رسالةً صادمة الى الجميع بأنَّ على الظلم والتخلِّف أن يتوقف
قصَّة منال قد انتهت ولكنَّ المأساة السوريه ما زالت مستمره وأعداد الضحايا في ازدياد وفِي مواجهةِ أصوات المدافع وهدير الطائرات تخبو أصوات الضحايا وتصبح مجرد أرقام في إحصائيات على شاشاتٍ بلا قلب أو مجرد أسماء على الحيطان … من أجل هذا تراني هنا ، ولكي لا ننسى منال وحتى لا تصبح رسالتها بلا معنى فلنحفظها في قلوبنا ولنكتبها بحروفٍ من دمِ ودمعِ ضحايانا .الشعب السوري لا يحتاج الى اسلحةٍ وقنابل ليتحرَّر ولكنه بحاجةٍ الى كل الشرفاء ومناضلي المجتمع المدني في العالم ليساعدوه على تحرير الأرواح والعقول أولاً وقبل كل شيء
Informations
Version de l’article en français parue le 24 juillet 2017 sur Voix d’Exils disponible ici