1

زارع الأمل

Père Frans van der Lugt. source : Facebook / Couvent des pères Jésuites

الأب فرانس فان دِر لُوخت (١٩٣٨-٢٠١٤)

يصادف اليوم السابع من نيسان / أبريل ٢٠١٨ مع الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال الأب فرانس فان دِر لُوخت Frans van der Lugt ، الكاهن اليسوعي الهولندي الأصل البالغ من العمر ٧٥ عاما, والذي كرّس أكثر من ٥٠ عاما من حياته لخدمة الشعب السوري. ولِد فرانس في هولندا في عام ١٩٣٨ في أسرة ثريّة من المصرفيين. دَرَس اللاهوت والفلسفة والعلاج النفسي واللغة العربية، ثم انتقل إلى سوريا في عام ١٩٦٦ ليعيش هناك بقية حياته.

قُتِلَ الأب فرانس بوحشّية من قبل رجل مسلح مُلثّم في ٧ نيسان / أبريل ٢٠١٤ صباحاً, في دار الآباء اليسوعيين بحي بستان الديوان، في حمص- سوريا.

الحصار

عندما اندلعت الحرب في البلاد في آذار / مارس ٢٠١١، وقعت مدينة حمص القديمة, بما في ذلك الحي المسيحي في بستان الديوان حيث يقع دار الآباء اليسوعيين , في أيدي المتمردين الإسلاميين , ولكن سرعان ما حوصرت من قبل الجيش السوري.

اختار الأب فرانس البقاء في المنطقة المحاصرة الواقعة تحت القصف المتبادل اليومي ونيران القناصة، ليتقاسم معاناة ومحنة المسيحيين والمسلمين على السواء. يقول فرانس: « حبّيت الشعب السوري كتير.. شاركتو بأشيا جميلة وتلقيت من فيض الشعب. هلا بنشوف انه هل الشعب عم يتعذب .. بحب اكون معه حتى نحضر مع بعضنا المخاض والعبور والولادة الجديدة « .

خلال الحصار الرهيب الذي دام ٣ سنوات حتى أيار/ مايو٢٠١٤, مُنعت جميع الإمدادات والمساعدات، ولم يُسمح للأشخاص بالدخول أو الخروج. كان فرانس يجوبُ شوارع وأزقة الجَيب المُحاصر على دراجته أو سيراً على الأقدام محاولاً الوصول إلى المصابين، والمرضى والذين كانوا يعانون من صدمات نفسية ليقدم لهم الدعم، المشورة النفسية وبعض الخبز والزيتون والبرغل، إذا ما أمكن توفيرها.

قام الأب فرانس بإيواء العائلات النازحة من مسلمين ومسيحيين التي هجّرهم القصف والدمار في دار الآباء اليسوعيين، وسجّل عددا من أشرطة الفيديو يطالب المجتمع الدولي بمعالجة المأساة الإنسانية في المنطقة المحاصرة بشكل عاجل. يقول الأب هلال « لقد أصبح دار الآباء اليسوعيين مركزاً للمصالحة بفضل الأب فرانس ».

شافعة الرفاعي، أمٌ مسلمة نازحة وَجدتْ ملجأً مع أطفالها في دار اليسوعيين, أفادت لوكالة فرانس برس:  » كان يُزوّدنا بالمواد الغذائية وحليب الأطفال ويُقيم أنشطة للأطفال ويقدم لهم الحلويات والهدايا … ».  أفاد رجل آخر لمراسل صحيفة ديلي ستار « أخذ الأب فرانس والدي المريض على دراجته إلى المشفى الميداني على الرغم من القصف » . لم يُميَز فرانس مطلقاً بين الأديان: «أنا لا أرى مسلمين أو مسيحيين، أرى قبل كل شيء بشراً  «

الطبيب النفسي والمُمارِس المتمرس لرياضة اليوغا والزن « التأمل البوذي »

قبل سنوات من بداية هذه الحرب المُروعة، مئات من الناس من حمص وأماكن أخرى في سوريا كانوا يأتون إلى دار اليسوعيين في بستان الديوان طلباً للمساعدة والمشورة. « كطبيب نفسي ومُمارِس مُتمرس للرياضات الروحية, ساعد أبونا فرانس المئات, لم يسبق له أن رفض أحداً », يقول عبد المسيح, طبيب نفسي من أصل سوري يعيش في لوزان, سويسرا، مضيفاً : » لقد شاركتُ ولمدة سنوات في مختلف أنشطته الشبابية. كنت مندهشاً كيف كان بمقدوره أن يجد دائما الوقت الكافي ليُصْغي بصبرٍ وتأنٍ إلى الجميع على الرغم من جدول أعماله المكتّظ جداً. ربما كان ينام ساعتين أو ثلاث ساعات يومياً. كان رجل دين استثنائي بكل معنى الكلمة! »

المسير « إلى الأمام »

كان فرانس يعشقُ سوريا. في عام ١٩٨١ نظّم أول مَسير أو رحلة على الأقدام كما كان يسميها أحياناً. كان يتم المَسير في الصيف أو في الشتاء، عبر الصحراء السورية والمناطق الجبلية والريفية، ويستمر ثمانية أيام في السنة. كان الهدف منه اكتشاف جمال الطبيعة السورية وعيش تجربة لا تُنسى من المشاركة والتضامن. يقول الأب فرانس » في نهاية كل مسير بنكتشف إنو مافي حدا ما بينحب« . لمدة ثلاثين عاماً متتالية، قاد المُشاركين في المسير عبر الطرقات الوعرة مردداً شعاره المعروف والمحبوب « إلى الأمام ». شارك في هذه الفعالية آلاف الشبان من جميع الأديان ومن كل أنحاء سوريا. كان يبدو, وهو في سن متقدمة, أكثر حيوية ونشاط من الشباب. المشاركون في المسير كانوا يستمدون منه القوة والقُدرة على التحمّل.  » أبونا فرانس كان مرشداً روحياً وأباً للجميع » تقول مروة، شابة من سكان بستان الديوان لغاية عام ٢٠١١، تعيش حالياً في فيينا، النمسا.

الأرض

في عام ١٩٩١، شارك الأب فرانس في تأسيس مشروع الأرض، على مساحة ٢٣ هكتار من الأراضي الزراعية في ضواحي حمص على صلة بالقرى المسيحيّة والإسلاميّة المجاورة. مشروعٌ ضخم غير مسبوق للتنمية الريفية والاجتماعية يهدف إلى إعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية، ومكافحة نزوح السكان من الريف والهجرة، فضلا عن توفير مكان كملاذ روحي للحوار بين الأديان (انظر الفيديو أعلاه). الاسم نفسه ذات مغزى « الأرض »، فهو يؤكد على ارتباط الإنسان بالأرض والبيئة كعامل موحد للجميع دون تمييز.

زارِع الأمل

في مجتمع مُنقسم عرقياً ودينياً، ساعد الأب فرانس على بناء الجسور وإيجاد أسس مشتركة تقوم على القيم الإنسانية. تقول مُنتهى التي شاركت ولفترة طويلة في نشاطات فرانس المتعددة ، وتعيش حالياً في لوزان: « كان نموذجاً مختلفاً من رجال الدين, متواضع، مثقف وغير نمطي. أحبّ مرافقة الناس العاديين وتكلمَ لغتهم, « العربية العامية ». كان لديه الشجاعة لفتح النوافذ والسماح للهواء النقي بالدخول! لهذا السبب كان محبوب جداً من قبل الشباب ».

دمّرتْ الحرب جميع مشاريع فرانس ولكنها لم تُدمِّر أبداً إيمانه وتفانيه لخدمة الشعب السوري. كان قد توصل إلى سلام مع نفسه ومع الله, وبقي صادقاً لدعوته في مساعدة المحتاجين وبناء جسور المصالحة والسلام.

البذور التي زرعها رُبّما تستغرق وقتاً طويلاً لتنمو في بلدٍ مزقته ٧ سنوات حربٍ مروعة وأعمال عنفٍ وكراهية . مع ذلك, فإن الكثير منها قد نمت بالفعل في أوروبا )انظر الفيديو المرفق حول مسير فرانس في هولندا,( وسوريا وفي أنحاء أخرى من العالم، كما هو الحال مع منتهى، وعبد المسيح، وشافعة ومع مروة ,التي اختتمت شهادتها بتأثُرٍ بالغ : « أبونا فرانس مصدر إلهامي وسبب اندماجي هنا في النمسا. هو مَن جعلني ما أنا عليه الآن! »

هايرنيك دونو

http://www.bbc.com/news/magazine-27155474

Informations

La version française de l’article: Le semeur d’espoir publié le 28 mars 2017 dans Voix d’Exils

The English version of the article The hope giver published on the 3th of April 2017