Articles en Français | English | Arabic

بصدد بعض « التجاوزات » اللغوية

Partager l'article sur les réseaux :
Les abus de langage de l'UDC
image_pdfimage_print
Les abus de langage de l'UDC

Affiche de l’UDC produite à l’occasion de la votation fédérale du 26.09.10 ayant pour objet la révision de l’assurance chômage

« التجاوز » مفهوم يصعب تحديده، وبالتالي فهو عرضة لكل الاستعمالات، بما فيها تلك الأكثر تدليسا.  سمعنا من يتكلم عن « تجاوزات » في مجالات المعونة الاجتماعية والتأمين وبشكل خاص التأمين ضد العجز الصحي أو ضد البطالة والتجاوزات في حق اللجوء. ونشير بهذه المناسبة إلى أننا لم نسمع الكثيرعن « تجاوزات » في مجال المنافسة المالية، أو في حق العمل أو في ممارسات الشركات الكبرى. ويبدو أن الذين يرتكبون التجاوزات هم حصرا من فئات الأقليات المقهورة والمستغلة. إن من يرتكب التجاوزات في سويسرا هو الضعيف دائما وليس القوي. أما على المستوى السياسي، فإن مفهوم التجاوز يطرح مسألتين أساسيتين أود هنا إمعان النظر فيهما.

نطاق القانون غير المحدّد

إن العنصر الأول الذي يرتكز عليه الخطاب ضد التجاوزات يقوم على توسيع نطاق القانون بشكل يتعدى نصه، وسبر أعماقه للوصول إلى « روحه » أي بالطبع إلى معناه الضمني. وبعبارة أخرى، وعلى عكس مبدأ الليبرالية القديم ، الذي يقول بأن « الشيء غير المحظور ليس مسموح به تماما »، فهناك أمور جديرة بالعقاب لا تظهر بشكل صريح في القوانين السارية.

يركّز الخطاب ضد « التجاوزات » على القانون الذي ينظم مجتمع منضبط ومستقر، وأكثر من القانون، الذي تتسم بالطبع حدوده بالضبابية والتي قد تتغير حسب الظروف السياسية. ولكن من المنظور الديمقراطي، نجد أنه على العكس تماما، هناك القانون والأهداف التي يتوخاها هذا القانون، وهي ليست الانضباط والاستقرار ولكن الحرية والمساواة. يوجد دائما تفاوت ما بين القانون وأهدافه، ومن أجل هذا وجدت السياسة.  إن هذا التفاوت ليس من صنع شاة جرباء أو أغنام سوداء، ولكن لأنه لا يمكن أن يوجد في الواقع، مجتمع منضبط انضباطا كاملا فهو بحاجة دائما إلى قوانين تكيّف لاحقا طبقا للحاجة. وعلى عكس ذلك، فإننا نجد في خطاب التجاوزات أنه يلقي على القواعد المكتوبة وغير المكتوبة وحدها عاتق ضمان دوام الانضباط، وأن الأشخاص الذين لا يحترمون القواعد الأولى أو الثانية هم وحدهم من يتحمل مسؤولية الإخلال بالنظام. من هنا برزت هذه الفكرة الرعناء أنه بطرد هؤلاء الأشخاص يمكن التخلص من مسببات هذا الخلل.

من هم الأشخاص الذين قد يخالفوا هذه القواعد غير المكتوبة، أو بالاحرى الأشخاص الذين من الممكن أن يعتقد بسهولة معظم الناس أنهم يخالفونها؟ بالطبع هم الأشخاص الذين لا يعرفون سويسرا بالقدر الكافي، أي لا يلمّون بعاداتها وتقاليدها، لكي يدركوا هذه الدقائق واللطائف التي يشار إليها  تلميحا.

التفريد (إلقاء اللوم على الأفراد) في المعضلات الاجتماعية

هذا ما يسوقني إلى التعليق الثاني. إن مسألة التجاوزات ترتبط بشكل منطقي بالتفريد المتطرف للمسائل السياسية. بالنسبة للسياسة، لا يوجد معضلات اجتماعية. لا يوجد إلا أفراد مسؤولون عن أوضاعهم. وحينئذ يمكن الادعاء بأن البطالة ناجمة عن العاطلين عن العمل أنفسهم، وأن ديون مؤسسة التأمينات ضد العجز الصحي ناجمة عن الأشخاص الذين يرتكبون التجاوزات بحقها، وأن المعضلات المرتبطة بالهجرة ناجمة عن المهاجرين أنفسهم. إن إلقاء اللوم على الأفراد يسوق بالطبع إلى سحب المسؤولية عن السلطات السياسية بالكامل وإلى نضوب القدرة على الإبداع في العمل السياسي. فإذا ما ساءت الأمور، وعمّت الفوضى،  فهذا بسبب  أفراد لا يلتزمون بالقواعد، أناس « لا يشبهوننا »، جاؤوا للإخلال بالنظام والهدوء اللذين لولاهم لكانا مستتبين بشكل كامل.

إزاء هذه التفسيرات المضحكة، يجدر بنا أن نذكّر بأننا نعاني من معضلات اجتماعية. فوراء مسائل البطالة والإعاقة والإجرام والفقر قوى ديناميكية معقدة تتعدّى في معظم الأحيان بكثير قدرة سلوك الأفراد وحدهم. هذا لا يعني أن هؤلاء الأفراد لا يتمتعون بأية حرية بل على العكس، ولكن علينا أن نعاود القول بأنه لا يمكننا صنع سياسة جيدة باستبعاد هذه المعطيات البنيوية لسبب بسيط هو أن نسيانها يجعل كل القرارات السياسية غير فعالة. إن كل شخص يعتقد بأنه يكفي لكي تسترد مؤسسة التأمين ضد العجز الصحي صحتها المالية تنظيفها من مرتكبي التجاوزات أو طرد المجرمين الأجانب لكي يعمّ الأمن في سويسرا إنما هو ساذج وجاهل. إن هؤلاء يحلقون في عالم طوباوي ويجب مواجهتهم بواقعية العالم المعقدة من خلال حلول أحيانا معقدة بالتأكيد هي الأخرى، ولكن لا يمكن استبدالها بالإرادية الجامدة التي لا تأخذ في الاعتبار الثقل الذي تشكله المجتمعات.

التصدي للتبسيط والعودة إلى ممارسة السياسة

إن الخطاب حول التجاوزات يهدف إلى خلق عدو للمجتمع، عدو داخلي يجب حسر القناع عنه وطرده. هذا العدو هو المسؤول عن كل ما يعاني منه المجتمع من مصائب، فهو الذي يخلّ بالنظام ويضعفه. مثل هذا الخطاب له سابقة تاريخية، ويذكرنا بالأيام الحالكة التي شهدتها أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولهذا السبب يتحتم علينا التصدي له بحزم.

لعلنا ننجح في ذلك بالتذكير ببعض المبادئ الديمقراطية: ليس هناك « عدو » للمجتمع وإنما هناك خطوط انقسام اقتصادية واجتماعية وسياسية فيه. هناك أغنياء وفقراء. هناك مّلاك وعاملين، وهناك من ينتمي إلى اليمين ومن ينتمي إلى اليسار، الخ. ونحن لا نتفق فيما بيننا لا حول الأهداف التي نتوخاها ولا حول الوسائل للوصول إليها، فالسياسة هي بالضبط الحلبة التي يدور فيها هذا الصراع المتجدد دائما. وهذا بالضبط ما لا يقبله الذين يتشدقون باستمرار في خطاباتهم بـ »التجاوزات »: إن المجتمع السويسري، كما هو الحال في كل المجتمعات الأخرى، مجتمع غير متجانس، وهو غير محكم التنظيم. وذلك لأنه لا يوجد نظام نموذجي يمكنه ضبط عمله بشكل تام. ولذلك علينا باستمرار قراءة وإعادة التفكير بكل شيء: بسياساتنا، وبرؤيتنا للعالم، وبتعريفنا للمجتمع، وبأهدافنا، وحتى بقيمنا نفسها.

إن مجتمعنا ليس حقلا نطرد منه الأغنام السوداء لضمان الهدوء، بل أنه مجتمع متعدد الانقسامات وفي حركة دائمة.

أنطوان شوليه

مركز دراسة تاريخ الفكر السياسي والمؤسسات



Répondre

Votre message ne sera envoyé que si tous les champs marqués d'un *     sont remplis

Nom: *








WordPress Video Lightbox Plugin