1

هل يجب وضع قيود على الديمقراطية المباشرة في سويسرا؟

Dr. Antoine Chollet, Maître assistant à l’Université de Lausanne. Auteur : Aram Karim ©

أنطوان شولاي، الأستاذ المساعد بجامعة لوزان والمتخصص في العلوم السياسية، والخبير في مجال الديمقراطية المباشرة Auteur:    Aram Karim ©

 

خلال السنوات الأخيرة، أطلقت العديد من المبادرات الشعبية المثيرة للجدل كمبادرة حظر بناء المزيد من المآذن، وطرد المجرمين الأجانب، وكبح جماح الهجرة إلى سويسرا. وفي كل مرّة يثار نقاش سياسي وفلسفي حول الحاجة إلى وضع قواعد لتقييد حرية إطلاق المبادرات الشعبية من عدمه 

ويسلّط الدكتور أنطوان شولاي، الأستاذ المساعد بجامعة لوزان والمتخصص في العلوم السياسية، والخبير في مجال الديمقراطية المباشرة، في هذا الحوار المطوّل مع الصحيفة الإلكترونية « صوت المهجر »، (مقرها بلوزان)، الضوء على تاريخ الديمقراطية المباشرة في سويسرا، ويعبّر عن رأيه في الجدل الدائر حول وضع قيود لممارستها.

 صوت المهجر: كيف يُمكن تعريف الديمقراطية المباشرة وشبه – المباشرة؟

أنطوان شولاي: قد يكون من المفيد للإجابة عن هذا السؤال إلقاء نظرة تاريخية على مسار تطوّر ما يُسمى الديمقراطية المباشرة في سويسرا، والتوضيح فورا أن مصطلح الديمقراطية شبه المباشرة اخترع في وقت متأخّر جدا من الستينات من قبل المعارضين لآليتيْ الإستفتاءات والمبادرات الشعبية: أنا أفضّل اعتبار النظام السياسي السويسري عبارة عن مزيج من أدوات الديمقراطية المباشرة، والتي هي آلية الإستفتاء، ونظام تمثيلي، مُشابه تماما لما هو قائم في بلدان أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا

صوت المهجر: متى ظهر مصطلح الديمقراطية المباشرة؟

أنطوان شولاي: نشأت الديمقراطية المباشرة على المستوى الفدرالي أساسا في عام 1874، وهي آلية منحت لعدد معيّن من المواطنين، في مرحلة أولى، ومن المواطنات أيضا في مرحلة لاحقة (اليوم 50.000 مواطن) حقّ الإعتراض على القوانين التي أقرّها البرلمان (عبارة عن فيتو شعبي، ويؤدّي جمع التوقيعات الضرورية إلى تنظيم اقتراع يشارك فيه جميع المواطنين الذين يحق لهم التصويت).

وفي عام 1891، اعتمدت آلية ثانية هامّة أيضا، وهي المبادرة الشعبية. وبمقتضاها يحق لـ 100.000 مواطن ومواطنة اقتراح مادّة دستورية جديدة، أو تعديل مواد قائمة الذات في الدستور الفدرالي. ولإقرار المقترح، لا بدّ أن تحظى المبادرات الشعبية بتأييد أغلبية ممزدوجة (أغلبية على مستوى أصوات الناخبين، وأغلبية على مستوى الكانتونات).  وهذا لا ينطبق على الإستفتاء الإختياري، الذي لا يتطلّب سوى أغلبية أصوات الناخبين.

صوت المهجر: بالنسبة للمبادرات الشعبية، ما الفرق بين مبادرات الماضي ومبادرات الحاضر؟

 أنطوان شولاي: يُوجد الفرق على مستوى الفاعلين الذين يستخدمونها. في العقود الأولى لظهورها، كانت المبادرات الشعبية تُستخدم على وجه التحديد من قبل اليسار، خاصة في فترة ما بين الحربيْن. وفي عام 1943، إلتحق اليسار بالحكومة الفدرالية، وتراجع تدريجيا لجوؤه إلى الديمقراطية المباشرة في الفترة التي أعقبت الحرب. وساد سويسرا في ذلك الوقت توافق سياسي كبير، وحتى العدد القليل من القضايا التي طرحت للنقاش، أو المعارك المحدودة، كان يتم الحسم فيها من داخل البرلمان أو حتى على مستوى الحكومة، ولم يُطلق إلا عدد قليل من المبادرات الشعبية.

مع ذلك، بدأنا نلحظ منذ الثمانينات، وخاصة التسعينات، العودة إلى إطلاق المبادرات الشعبية من طرف اليسار بكل مكوّناته، ثم اليمين الشعبوي ممثلا في حزب الشعب. وخلال العقديْن الاخيريْن، أغلب المبادرات الشعبية أطلقها اليمين، إما من طرف حزب الشعب أو بتأييد ودعم منه. ولم ينجح اليسار منذ فترة طويلة في إنجاح أي من مبادراته. وآخر مبادرة أيّدها اليسار تلك المتعلّقة بحماية جبال الألب والمطالبة بالحد من حركة المرور عبرها. ما عدى ذلك، كان الفشل مآل جميع المبادرات التي أطلقها اليسار في السنوات الاخيرة.

صوت المهجر: هل تعتقد أن بعض الأحزاب السياسية أو بعض المجموعات تستخدم الحقوق الشعبية لخدمة مصالحها الخاصة؟

أنطوان شولاي: في الواقع، هذا أمر لم نعرفه من قبل. كل الأحزاب السياسية، من دون استثناء، باتت تستخدم آليات الديمقراطية المباشرة لإطلاق حملاتها الإنتخابية. فعام 2015 كان سنة الإنتخابات التشريعية على المستوى الفدرالي، لذلك أطلق كل من حزب الشعب، واليسار سلسلة من المبادرات الشعبية لمواكبة حملاتهما الإنتخابية. وعموما تُوجد مرحلية في استخدام المبادرات الشعبية. وجمع 100.000 توقيع عمل يستوجب تعبئة كبيرة، ويفترض نزول عدد كبير من المناضلين إلى الشوارع بالنسبة لليسار، وعدد مماثل من أشخاص مأجورين لجمع التوقيعات لصالح أحزاب اليمين. إنه أمر يحتاج إلى جهد وإلى موارد مالية، وإلى تعبئة للمناضلين.

ليس هناك أي عيْب في اقتراح أي موضوع للإستفتاء، فإذا ما كان الموضوع سخيفا، فسيرفضه الناخبون على نطاق واسع. المسالة الأخرى المثيرة للجدل عادة هي المبادرات التي تُعتبر مستفزّة من منظور سياسي. لكن الحقيقة المؤسفة هو أن أي مبادرة إذا ما حصلت على تأييد الأغلبية من الناخبين ومن الكانتونات، معناه أنها ذات أهمية بالنسبة للشعب السويسري – لها ما يبررها أم لا تلك مسألة أخرى – لأنه في حالة ما لم تطلق مبادرة بشأنها، سيتم تناولها بطريقة أو بأخرى سواء عبر الإنتخابات أو عبر مبادرات أخرى في السنوات اللاحقة.

صوت المهجر: هل بإمكانك أن تمدنا بمثال على ذلك؟

 أنطوان شولاي: أعتقد أن أوضح مثال على ذلك مبادرة حظر المآذن. فحتى لو لم تطلق تلك المبادرة، كان من المرجّح أن تتصدّر هذه القضية المشهد في وقت أو آخر، سواء بمبادرة مباشرة من حزب الشعب، أو من خلال تصويت آخر على علاقة هذه المرة بثنائية الديني والعلماني. وبعبارة أخرى، تسمح الديمقراطية المباشرة بطرح القضايا في الساحة العامة بطريقة صريحة ومباشرة، وهذا أمر جيّد من حيث المبدأ.

صوت المهجر: هل يجب وضع قيود على إيداع المبادرات الشعبية. وإذا كان الجواب بنعم، كيف وعلى يد من؟

أنطوان شولاي: لا أعتقد أن الأمر يستوجب المزيد من القيود. وقد قُدمت اقتراحات منذ فترة طويلة على ثلاثة مستويات. المستوى الأوّل، وهو الذي يُلفت الأنظار في معظم الأحيان، يتمثّل في المطالبة بالترفيع في عدد التوقيعات اللازمة. وقد سبق الترفيع في عدد التوقيعات بالفعل في عام 1977 لتمرّ من 50000 إلى 100000، كنتيجة لمضاعفة عدد الناخبين بعد حصول النساء على حق التصويت (على المستوى الفدرالي) في سويسرا (سنة 1971). وهناك اقتراح تقدمت به مؤسسة « أفنير سويس » في وقت سابق من هذا العام، وهي « مجموعة تفكير » من رابطة الشركات السويسرية، والداعية إلى مضاعفة عدد التوقيعات المطلوبة لتصبح 200000 توقيع بدلا من 100000، كما اقترح البعض الآخر أيضا تقصير فترة جمع التوقيعات، وهي حاليا 18 شهرا.

المطلب الثاني، تضمين الدستور قيودا أكثر تشددا. وفي الواقع فإن القيد الوحيد المفروض على المبادرات الشعبية حاليا هو ما يسمى باحترام قواعد القانون الدولي الملزم (بدأ العمل بهذه المادة سنة 1999، وقبله لم يكن هناك أي قيد). ويتعلّق الأمر بعدد محدود جدا من القواعد مثل الإبادة الجماعية، والتعذيب، والعبودية،… وقد وُضع هذا القيد لمنع تقدّم مجموعة من المجموعات بمبادرة تدعو مثلا إلى إعادة العمل بنظام العبودية في سويسرا.

النوع الثالث من القيود المقترحة الدعوة إلى إنشاء هيئة تقوم بالمصادقة على نص المبادرات سواءً قبل البدء في جمع التوقيعات أو بعده. وهذا ما يحدث مثلا على مستوى كانتون فو، لأن حكومة الكانتون، تدرس نص المبادرة قبل بداية جمع التوقيعات، وتقول ما إذا كان النص قابلا لطرحه في استفتاء أم لا.

صوت المهجر: ولماذا تُعارض أنت تطبيق هذه القيود؟

أنطوان شولاي: أنا أعارض هذه الصيغ الثلاث من القيود. وأعتقد أن النظام الحالي يجزي بما فيه الكفاية، وليس من الحكمة السياسية في شيء منح كيان الدولة القدرة على منع المبادرات الشعبية، لأن هذه الآلية في المقام الأوّل سلطة مضادة. ولابد أن يكون بإمكانها التأثير في الدولة ومراكز قوّتها، وضد البرلمان، والحكومة، وضد المحكمة الفدرالية. ولذلك، بقدر ما تزيد القيود، بقدر ما يضيق مجال نفوذ هذه السلطة المضادة. أنا أؤيّد بدلا من ذلك توسيع نطاق استخدام الديمقراطية المباشرة، ولذلك لابد من جعل المزيد من التدابير والآليات في خدمتها مثل المبادرات التشريعية، او الإستفتاء البنّاء الذي يُمكن أن يستهدف مادة أو بعض المواد من قانون ما وليس القانون كلّه. وخلاصة القول، انا أقترح الذهاب في الإتجاه المعاكس، والسماح بمزيد من الحرية بدلا من تقييدها.

صوت المهجر:  ما ريك في مبادرة حزب الشعب المقبلة التي هي تحت عنوان « القانون السويسري بدلا من القضاة الأجانب »؟

أنطوان شولاي: هذه مبادرة من شأنها أن تثير العديد من المشكلات من الصعب جدّا حلّ عقدها. والأمر الأوّل هو أن حزب الشعب يريد أن يصل من خلالها إلى هدف يضمره: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الضامنة للإمتثال للإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي يعود ظهورها إلى الخمسينات من القرن الماضي. وقد انضمت سويسرا إلى هذه الإتفاقية وصادقت عليها في السبعينات، وبالتالي، فعنوان مبادرة حزب الشعب مضلل لأن الأمر لا يتعلّق بقضاة أجانب، بل بمحكمة دولية بعض قضاتها سويسريون.

 المشكلة الثانية، وهذه المرة تحسب لحزب الشعب مع الأسف، هو أن المصادقة على هذه الاتفاقية لم تعرض على الناخبين السويسريين قط. فقد اكتفت الحكومة الفدرالية في السبعينات بمطالبة البرلمان بالمصادقة عليها دون تمريرها عبر آليات الديمقراطية المباشرة. أعتقد أنهذا الأمر ما كان ليطرح لو سبقت المصادقة عليها في استفتاء شعبي. كنا سنقول إن الشعب السويسري أقرّ تلك الإتفاقية منذ أربعين عاما، وبالتالي فهي جزء لا يتجزّأ من المنظومة القانونية السويسرية، تماما مثلها مثل الدستور السويسري.

صوت المهجر:  بحسب رأيك، ما هي أنسب الحلول للقيام بها تجاه هذه المسألة؟

أنطوان شولاي: من وجهة نظري، فإن عرض جميع الإتفاقيات الاوروبية في مجال حقوق الإنسان على أنظار عموم الناخبين، ليس فيه أي مُجانبة للصواب بدلا من الهجوم عليها مثلما يفعل حزب الشعب. الأمر الثاني، هو أن العديد من الدول تتعرّض باستمرار إلى الإدانة من قبل محكمة ستراسبورغ، كتركيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وسويسرا كذلك، مثلما حدث مؤخرا، مع الصحفي والسياسي التركي الذي نفى وجود إبادة جماعية للأرمن، وأدين، ثم اعترض على تلك الإدانة أمام المحكمة الفدرالية، والتي قامت هي الأخرى بتثبيت الحكمالأوّل، لكن المحكمة الأوروبية قبلت اعتراض السياسي التركي وحكمت لصالحه، مستندة إلى الحق في حرية التعبير.

هذا هو النوع من الحالات التي تنظر فيها المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان، وهو مثال يضرّ بحظوظ اليسار، لأن هذه المحكمة لا تحكم بالضرورة دائما لصالح المعارضة السياسية. ولأن هذه المحكمة ليس لها جهاز خاص بها ينفّذ أحكامها بل الدول الأعضاء هي الملزمة بتنفيذ هذه الأحكام. ويحدث في بعض الأحيان أن تتغافل تلك الدول عن قرارات هذه المحكمة. الشيء الآخر المزعج ايضا هو أن الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ومبادئها الأساسية تعود إلى خمسين عاما. والحريات التي تكفلها هذه الإتفاقية هي أقلّ اتساعا وشمولية من تلك التي نعثر عليها في الدستور الفدرالي في نسخة عام 1999. فضلا عن ذلك، لا يُقدّم نص الاتفاقية نموذجا في الديمقراطية، لذلك قلت إن القضية التي يطرحها حزب الشعب مزعجة نوعا ما، إذا ما توقّفنا عند النص نفسه. وهذا يعني أنني غير مستعدا للدفاع عن الإتفاقية الأوروبية بأي ثمن. رغم ذلك، تظل نصوص القوانين محلّ تأويل وتفسير باستمرار، وفي بعض القضايا، نجد أن قرارات المحكمة الأوروبية هي أكثر تقدّمية من قرارات المحكمة الفدرالية في سويسرا.

* سبق نشر هذا الحوار على موقع الصحيفة الإلكترونية « صوت المهجر » ومقرّ هيئة تحريرها بلوزان.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

Article initialement publié dans Voix d’Exils sous le titre « Faut-il restreindre la démocratie directe suisse? » le 23 mars 2016 et traduit du français vers l’arabe par swissinfo.ch.




اللاجىء قادر على تعلم لغة اجنبية و على العمل و الاندماج… هذه شهادتي

NeuchâtelRoule 4

لوزان رول ـ ادعموا هذه المبادرة

عمل السيد يمان و هو شاب من أصل سوري، مدة ستة أشهر ضمن برنامج يسمى « نوشاتيل رول » نسبة الى مدينة نوشاتيل السويسرية. و يهدف هذا البرنامج الى ادماج العاملين فيه لسوق الشغل و يعرض لزبائنه من السكان المحليين و السياح خدمتي كراء و تصليح الدراجات الهوائية. تجربة غنية في ميدان عمله يرويها لنا السيد يمان في شهادته التالية موضحا في الآن نفسه كيف مكنته هذه التجربة من نسج علاقات عديدة، و ساعدته على التقدم حثيثا في تعلم اللغة الفرنسية و شحذت همته بقصد الاندماج

NeuchâtelRoule 3

نوشاتيل رول ـ صوت المهجر

يقول السيد يمان في شهادته لصوت المهجر: « واجهتني في البداية صعوبات تتمثل أولاها في التعرف على أجزاء الدراجة العادية كونها تحمل مسميات مختلفة عن بلك التي عهدتها في بلادي و الناطقة عموماً بالعربية ولكنني تعلمت هذه المفردات الفرنسية الجديدة شيئاً فشيئاً

تطلب عملي التواصل مع الزبائن الذين يتكلمون لغات مختلفة وكان هذا تحدياً كبيراً بالنسبة لشخص لا يتكلم سوى العربية والقليل من الفرنسية. و كثيرا ما كنت ألجاً إلى لغة الإشارة حتى أتمكن من الشرح للزبون و ذلك عند نفاد مخزون المفردات الفرنسية في ذاكرتي. ولكن الطامة الكبرى كانت مع الزبائن الذين لا يتكلمون الفرنسية أو حين تبرز فيها الحاجة إلى تكلم الألمانية. ولقد شكل هذا في الحقيقة حافزاً إضافياً لي لتعلم اللغة الفرنسية ودفعني لاستثمار فرصة الاحتكاك مع أناس من جنسيات مختلفة رغم محدوديتة الأيام المسموح لي فيها بالعمل في هذا البرنامج و التي لا تتجاوز عشرة أيام في الشهر

لمست من خلال تجرتي هذه في العمل نظرة السويسريين الإيجابية  تجاه اللاجىء العامل ودفعني هذا إلى المزيد من التقدم لإثبات كفاءتي للقيام بالعمل المطلوب حيث كنت كثيرا ما أراسل مؤسسة اللجوء مبينا لهم أن اللاجئ قادر على تعلم اللغة وعلى احتراف مهنة و بالتالي على الإندماج ولكنه يضل بحاجة إلى الدعم خصوصا في بدايات وجوده في مجتمع غريب عنه

NeuchâtelRoule 1

نوشاتيل رول ـ صوت المهجر

يستطيع، في رايي، اللاجئ أن يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع إذا وجد من يقف إلى جانبه ويمد له يد العون بغية التغلب على مصاعب الحياة ومتطلباتها المختلفة. و العكس صحيح حيث يمكن أن تشهد حياة اللاجئ احتضاراً على المستوى الاجتماعي والنفسي خصوصا إذا استمر بالعيش معتمداً على الإعانة الإجتماعية خصوصا إن تعلم لغة الكانتون الذي يعيش فيه

أستطيع القول باختصار أن هذه التجربة كانت ايجابية جدا و رائعة بالنسبة لي كلاجئ في سويسرا »

يمان شنان، عضو اسرة تحرير صوت المهجر بنوشاتيل

NeuchâtelRoule 2

نوشاتيل رول ـ صوت المهجر




فم مفتوح وآذان مغلقة

"The cries of death" by Eissa Mousa, syrian painter.

« The cries of death » by Eissa Mousa, syrian painter.

في البداية عمدت إلى رفع صوت التلفاز بحيث يعلو على أزيز الرصاص وأصوات الإنفجارات في المناطق المجاورة. دربت طفلها على سد أنفه وقطع التنفس بينما يجتازون أكوام القمامة المنتشرة في الحي عند مصادفتهم لمشاهد التعذيب كانت تشير إلى منطقة بعيدة في الاتجاه المعاكس وتقول لطفلها: »ثمة مراجيح هناك! ». مع اقتراب صوت الرصاص من منزلهم صارت تحضن طفلها وتغطي أذنيه براحتيها. عمدت إلى تغطية عيون الطفل بكفيها عندما تدمر بيت جيرانهم وانتشرت أشلاؤهم في كل مكان . عندما أخرجت طفلها من بين الأنقاض كانت عيونه مفتوحة وأذنيه كذلك وأنفه وفمه ، ولم يكن ثمة داعٍ لإغلاقها. فتحت فمها وأطلقت صرخة عظيمة لدرجة أن سمعها العالم بأسره، ولكنها كانت صرخة قوية لدرجة أنهم احتاجوا إلى تغطية آذانهم براحات أكفهم!

رامي الابراهيم




« بحاجة لكل شيء لنبقى أحياء »

Photo du camp de Yarmouk. Dr Moawia.

Photo du camp de Yarmouk. Dr Moawia.

أدعى الدكتور معاوية ،الاختصاصي في الامراض البولية و التناسلية منذ نيسان عام 2012م و أسكن في مخيم اليرموك، أحد أكبر التجمعات للاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذي أنشئ عام 1957م في دمشق، حيث يبلغ عدد سكان المخيم حوالي نصف مليون نسمة حسب إحصائيات عام 2010م. حاليا يقتصر العدد على عدة الاف نسمة لأن غالبية ساكنيه انتقلوا إلى المناطق والأحياء المجاورة نتيجة الحصار الذي تعرض له المخيم منذ 15 تموز عام 2013 الذي لايزال حتى يومنا هذا، ووفقا لهذه الظروف ذاتها التي أرغمتني ،كطبيب عام، لمعالجة كافة الأمراض التي يتعرض لها سكان المخيم وحتى تلك البعيدة عن اختصاصي. فما أحاول هنا تقديمه عبارة عن موجز عن الوضع العام في مخيم اليرموك محاولا التركيز على الجانب الطبي

كثيرا ما سئلت حول ما أريده بالضبط؟ لقد كتبت في إحدى المرات محاولا الإجابة على هذا السؤال بشكل موجز قدر الإمكان (إننا بحاجة لكل شيء حتى نصبح أحياء). فلا أحد هنا في مخيم اليرموك، من بينهم أنا بالطبع، يمتلك أقل الحقوق الإنسانية ككائن بشري. فلا أعني بكلامي الحديث عن حق الحرية أو حرية التعبير أو حرية المعتقد، ولكنني أتكلم بشكل أساسي حول الحاجة إلى الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة، لأننا نعاني هنا ليس فقط من الجوع وإنما نعيش مجاعة حقيقية

Photo de l’unique hôpital qui fonctionne encore à Yarmouk. Photo: Dr Moawia

Photo de l’unique hôpital qui fonctionne encore à Yarmouk. Photo: Dr Moawia

في الفترة بين تشرين الثاني عام 2013 وحتى شباط 2014, كانت المجاعة سببا لخسارة حياة حوالي 177 نسمة ، معظمهم من كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم أو من الأطفال وعلى وجه التحديد حديثي الولادة الذين لم يتجاوز وزنهم أثناء ولادتهم أربعة أرطال أي بما يعادل 1،8 كغ، نتيجة لمعاناة أمهاتهم من سوء التغذية وهذا ما انعكس سلبا على عدم قدرتهم على تأمين كميات كافية من الحليب الطبيعي لإنقاذ أطفالهم من الموت، إلى جانب معاناتهم من النقص الحاد لحليب البودرة المخصص للأطفال منذ بداية الأزمة في سوريا

لقد كان الجوع سببا في خسارة العديد من سكان مخيم اليرموك، متأثرين بالمجاعة إضافة لأسباب أخرى متعلقة بأوضاعهم الصحية. خلال عدة أسابيع كانت تقتصر وجبات غذائهم على المياه الملوثة التي كانت سببا في ظهور العديد من حالات الفشل الكلوي الحاد. الأمر الذي زاد في الطين بلة أنه تم قطع المياه عنهم منذ حوالي تسعة أشهر، ما أجبر السكان على شرب مياه الآبار التي تلوثت بمياه الصرف الصحي، ما أدى لتواجد حالات مرضية بشكل يومي مثل الالتهابات المعوية و الكائنات الأولية (معتضيات وحيدة الخلية التي تعيش في الأوساط المائية أو سوائل أخرى كالدم والتي لا ترى بالعين المجردة حيث تسبب العديد من الأمراض مثل الملاريا) إضافة للإسهال الشديد الناجم عن سوء التغذية. إضافة لما سبق غنى المياه بالإكسالات (عبارة عن أملاح غير قابلة للانحلال في المياه والتي تعتبر المكون الرئيسي في تكوين الحصى الكلوية). هذه الأمراض وغيرها تمثل تحديا حقيقيا وذلك عائد للنقص الحاد في الدواء

Photo de l’unique hôpital qui fonctionne encore à Yarmouk. Photo: Dr Moawia

Photo de l’unique hôpital qui fonctionne encore à Yarmouk. Photo: Dr Moawia

حول موضوع الأمراض، يعاني العديد من السكان من الأمراض المزمنة والمعدية و نجد على رأس قائمة مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، فالمصابين بهذه الأمراض يعانون من نقص المعالجة وهذا ما يتسبب على المدى الطويل بمضاعفات ناجمة عن اضطرابات عديدة مثل الحمض الكيتوني و السكري و الخناق الصدري أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض الوعائية الدماغية.

لقد كان الجوع سببا في زيادة حالات الوفاة الناجمة عن نقص السكر في الدم، فمازالت حادثة وفاة رجل في الخمسين من العمر في ذاكرتي والعائد سببها إلى انعدام شراب سكر العنب

لو امتلكنا الدواء لتمكنا من إنقاذه الشراب و لما كنا خسرنا العديد من الأرواح أمام أعيننا ونحن واقفين مكتوفي الأيدي، ولكن هذه الحالة أثبتت لي أن أداة الشرط (لو) تستخدم فقط للتمني، لأننا نعيشها بالفعل كل يوم هنا

يسبب عدم توفر الفحوص المخبرية و الأشعة الأساسية إعاقة في تشخيص العديد من الأمراض، وهذا ما يكون سببا في وقوفنا في أغلب الأوقات حائرين مكتوفي الأيدي غير قادرين على تحريك ساكن. فمثلا مرضى السرطان لا يتمكنون من الحصول على علاجهم الكيماوي والإشعاعي ، فقد كان من بينهم أبو رياض، رجل في السبعين من العمر، مصابا بورم سرطاني في البروستات و الرئة والانبثاث الفقري ، فقد كان يعاني من ألام حادة في ضيق التنفس والخثار الوريدي العميق والدنف ، فبعد شهور من معالجة الأعراض والدعم النفسي فقد تمكنا من إرساله إلى الأردن حيث لقي مصرعه في مشفى بعمان (العاصمة الأردنية) بعد دخولها بخمسة أيام، حيث تعتبر الأمراض المزمنة محددة لبعض الأشخاص في حين باقي الأمراض يظل الكل عرضة للعدوى

فيمايلي تعتبر بعض الأرقام ولكن لابد من التوضيح أولا بأنها ليست جميع الحالات المرضية في مخيم اليرموك وإنما مقتصرة فقط على الحالات التي تم تشخيصها من قبلي منذ أيار عام 2014 م، حيث فحصت أكثر من 370 مريض منذ ذاك الوقت، ومن بين تلك الحالات ثمانية وسبعين 78 حالة مرضية من حمى التيفوئيد، حيث كانت أولى الحالات في 12 تموز عام 2014م ، في حين 20 حالة أخرى كانت السعال الديكي والسل وشلل الأطفال وثلاثة مئة حالة من التهاب الكبد المعدية (ِA) ، كان الأطفال هم الأغلبية العظمى لضحايا هذا المرض الناجم ،على الأرجح، عن الظروف الحياتية الفريدة من نوعها من حيث شدة القسوة التي يعيشونها في هذه الأيام

إلى جانب ذلك، لم يكن العقل في مأمن وبعيدا عن هذه الاضطرابات التي تصيب الجسم، حيث أن أغلب الأمراض انتشارا في مخيم اليرموك هي الأمراض النفسية و يعتبر مرض العصاب مرض العصر لعل أكثر الحالات انتشارا هي اضطرابات الاكتئاب والقلق العام و الوسواس القهري والخوف ونوبات الهلع والتي تعتبر دلالات عن وجود اختلال في الوظائف العقلية

أمل فتاة شابة في الثالثة والعشرين من العمر، من معاني اسمها باللغة العربية الرجاء و التفاؤل. حيث قدمت إلى العيادة مع أمها للمرة الأولى في حزيران عام 2014م، فقد قضينا حوالي 20 دقيقة من المقابلة في التحدث فقط عن مقياس الضغط (ضغط الدم) الذي كان موجودا على مكتبي، وتبين أنها تشكو من الهلوسة السمعية والبصرية و هذا ناجم عن التصور المشوه للواقع والتقلبات الحادة في المزاج ، لذا كان لابد من معالجتها بدواء الربسيريدون لانفصام الشخصية لمدة ستة أشهر، ولحسن الحظ تحسن وضعها تحسن عما قبل ولكن لم تستطع العودة بعد لحالتها الطبيعية

أعتذر هنا إن كنت قد أطلت الحديث و اسمحوا لي أن أقدم في الختام تلخيصا حول حاجاتنا الطبية

بداية بحاجة لكادر طبي مؤهل من جراحين وأطباء من كافة الاختصاصات لأنني الطبيب الوحيد في أغلب الأوقات هنا ومعظم العاملين هم من المتطوعين، وغالبا ما يمارس الأطباء في مخيم اليرموك غير اختصاصهم في الأصل

ثانيا: كافة أنواع الأدوية من مسكنات الألم والمضادات الحيوية وأدوية لأمراض القلب و الأوعية الدموية وأمراض الرئة ، والأدوية الستروئيدية وغير السيتروئدية المضادة للالتهابات ، ومكملات الأغذية وبشكل موجز كل الأدوية

ثالثا: اللقاحات اللازمة باعتبار أن المخيم مازال يشهد العديد من الولادات الجديدة ،إضافة لتواجد مئات الأطفال في المخيم، هذا بالرغم من محاولات بعض المنظمات تزويدنا بالبعض منها ولكن بشكل غير كافي وبصعوبة أيضا

رابعا: مزودات الطاقة، فالكهرباء مازالت مقطوعة منذ سنتين تقريبا و نعتمد حتى الآن على المولدات التي تعمل بالوقود الغالي الثمن أو الرخيص المستمد من البلاستيك. فالمكان الذي أعمل فيه لا نستطيع تزويده بالكهرباء لأكثر من 3 ساعات في اليوم لذا علينا أن ننجز كافة أعمالنا خلال تلك الساعات التي تكون الأجهزة فيها شغالة و إتمام كافة أعمالنا

لنقول أخيرا إننا بحاجة لكل شيء لنصبح أحياء

على أمل أني قد تمكنت من توصيل الصورة بشكل واضح قدر الإمكان و أود شكركم بالنيابة عني وعن كل الحاضرين هنا معي على الوقت الذي أعطيتموني وعلى حسن استماعكم

الدكتور معاوية

طبيب في مخيم اليرموك بدمشق

قصة الطفل عمار علاء عقلة ذو الأربع سنوات

Amar: l'enfant de Yarmouk blessé à trois reprises

Amar: l’enfant de Yarmouk blessé à trois reprises.

يعتبر الأطفال ،على وجه التحديد، ضحايا الانتهاكات التي يتعرض لها مخيم اليرموك. وهذه قصة الطفل عمار علاء عقلة ذو الأربع سنوات،الذي تعرض لثلاث إصابات داخل نفس المخيم. كانت إصابته الأولى بشظية في عظام ساعده الايسر التي أجريت لها ثلاث عمليات ولكنها باءت بالفشل، والإصابة الثانية برصاص قناص في ركبته، في حين الإصابة الثالثة بشظية في قدمه اليسرى. يعتبر عمار في الوقت الحاضر بأشد الحاجة إلى المساعدة من حيث الأدوية والتي لا تتمكن عائلته من تأمينها بسبب ثمنها الباهظ إضافة لاحتياجه لمزيد من العمليات الجراحية.

Amar: l'enfant de Yarmouk blessé à trois reprises

Amar: l’enfant de Yarmouk blessé à trois reprises

 

Amar: l'enfant de Yarmouk blessé à trois reprises

Amar: l’enfant de Yarmouk blessé à trois reprises




Help please !