Articles en Français | English | Arabic

خاطرة: نـبُوءَة طالبة

Partager l'article sur les réseaux :
image_pdfimage_print

Nick Fewings – unsplash.com.

La version arabe de l’article « Réflexions sur la mort d’Akakyevich » paru sur Voix d’Exils le 11 mai 2017

« إذا نظرت إلى وجه شخص ما لفترة طويلة بما فيه الكفاية، فسوف تشعر في النهاية أنك تنظر إلى نفسك »

بول أوستر، كاتب ومخرج أفلام أمريكي

إحدى الشخصيات التي لا تُنسى في الأدب العالمي، والتي ابتكرها الكاتب الروسي نيكولاي غوغول (1809-1852) في قصته القصيرة الرائعة المعطف (1843)، هي شخصية أكاكي أكاكيفيتش

تَروي القصة سيرة حياة موظفٍ بسيط يعمل نسَّاخاً في إحدى الدوائر الحكومية في مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا، حيث يتم دفعه إلى حَتْفه من قبل نظام بيروقراطي قاسٍ وخالٍ من التعاطف الإنساني. تُسَلط القصة الضوء على معاناة الطبقة الفقيرة في المجتمعات وظلم الإنسان لأخيه للإنسان

ترتبط بعضٌ من أعَزِّ ذكرياتي بقصة « المِعْطَف ». تأثرت بها كثيراً عندما قرأتها في السنوات الأولى لدراستي الجامعية. وفي وقت لاحق في الثمانينات, قمت بتدريسها ضمن منهاج وزارة التربية للغة الإنكليزية لطالبات المدرسة الثانوية في مسقط رأسي في مدينة القامشلي بسوريا

في الواقع، لم يكن التعليم وظيفة سهلة على الإطلاق في هذه المنطقة الريفية المُهملة في الشمال الشرقي من البلاد، والتي يسكنها بشكل رئيسي أحفاد اللاجئين الذين فرّوا من القتل في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، كالسريان والأكراد والأرمن والآشوريين والكلدان وبالطبع العرب. أناسٌ، مازال بعضهم يعانون من صدمات نفسية نتيجة قِصَص الفظائع التي سمعوها من أهاليهم

كانت المدارس تَعْكِس الانقسامات الموجودة في المجتمع. الجوّ كان بعيدا عن الزمالة الدراسية. يجتمع عادة الطلاب في الصفوف ويجلسون على المقاعد وفق خلفياتهم العرقية والدينيّة. كان التواصل بينهم نادرًا، بينما كانت اللغات الأثنية المحلية يتردد صداها بانتظام في كل مكان. أضف إلى ذلك، لم يكن الطلاب أو أولياؤهم يهتمون كثيرا باللغة الإنجليزية كمادة دراسية

أما بالنسبة للمُدَرِّسين، فقد كان عليهم أن يجتازوا أولاً اختبارات التحامُل والقوالب النمطية، قبل أن يتمكّنوا من إكتساب ثقة الطلاب. ولسوء الحظ، كنت أحد هؤلاء المُدَرِّسين كوني أنْحَدرُ من عائلة أرمنية لاجئة نجت بأعجوبة من الإبادة الجماعية

ومع ذلك, تجربتي في تدريس قصة « المِعْطَف » كانت لها نتائج مختلفة تماماً! فمنذ القراءة الأولى للقِصة و التي عادة ما تستغرق قراءتها ثلاث حصص دراسية كل منها خمسون دقيقة وعلى مدى أسبوعين، كنت أرى حدوث تَغيير ملحوظ في سلوك طالباتي. فالاهتمام الشديد بسرد القصة بالإضافة إلى التعاطف العميق مع الموظف الصغير المسكين، كانا يحلان تدريجيّاً محل الثرثرة اليومية واللامبالاة المعتادة في الصف. كنّ يتابعن بتعاطفٍ كبير التدهور التدريجي في حياة أكاكيفيتش إثر تلقيه الصدمات الواحدة تلو الأخرى. الغريب في الأمر، بدا وكأنّ مأساة بطلنا كانت تُقَرّب المجموعات المختلفة من بعضها البعض. كان الصف يَنْفُضُ عن نفسه شيئاً فشيئاً القيود والحدود المعتادة، ويَكشِفُ عن المزيد من الألفة والود. فالفتيات كنّ يبدأن بالإقتراب من بعضهن،  وأحياناً يجلسن معاً في مقعد واحد ويتابعن القراءة من كتاب واحد! وتصبح الدردشات باللغة العربية الرسمية مسموعة أكثر. وهذا لم يكن بالأمر الاعتيادي!

لكن سقوط الموظف المسكين وموته المأساوي هو الذي كان يصْدمهنّ بشدّة ويجعل عيونهنّ تتلألأ بالدموع البريئة

كان هذا الحدث بمثابة تطهيرٍ للعواطف…

كنت أتساءل دائمًا، كيف يحدث كل هذا التحوُّل خلال فترة زمنية قصيرة جدًا؟ كيف يمكن أن تتلاشى طبقات التحامُل وانعدام الثقة في غضون أيامٍ قليلة وتَكْشف عن المشاعر الإنسانية العفوية كالتعاطف والحب؟ ما هو السر؟

ولدهشتي، جاءت الإجابة يوماً باللغة العربية من إحدى الفتيات. قالت بارتباكٍ ظاهر: « أستاذ »، « المِعْطَف » يروي قصة حياتنا البائسة! نحن في الواقع نَندُب مصيرنا التعيس، وليس مصير أكاكيفيتش… « ، ثم غَلبتْها العواطف ولم تستطع المتابعة

الآن، وبعد أن دخلت الحرب في سوريا عامها العاشر وأصبح نصف سكان البلد مشردين، أتذكر أحيانًا الكلمات النُبوئية لتلك الفتاة البالغة من العمر ستة عشر عامًا وأتساءل عن المكان الذي رماها فيه القدر وسط لعبة الحروب المجنونة هذه

هـــ . دونــو

عضو أسرة تحريرصوت المهجر – كانتون فو



Répondre

Votre message ne sera envoyé que si tous les champs marqués d'un *     sont remplis

Nom: *





« (Article précédent)
(Article suivant) »



WordPress Video Lightbox Plugin